اللاجئات السوريات: زواج أم تجارة جنسية؟!

خرجت المرأة السورية من بلادها لاجئة، لما تتعرض له سوريا من حرب لا ترحم صغيراً أو كبيراً، امرأة أو رجلاً؛ تحصد ما تلقاه في وجهها من غنائم بشرية. فرّت المرأة السورية من واقع بلادها الذي لا يرحم ظناً منها أنها ستحيا واقعاً أكثر جمالاً ورحمة ورأفة بها، ولكن.. ماذا لاقت خارج بلادها؟

لاقت نظرة شفقة ممزوجة بدافع جنسي لدى الرجل الذي يلقاها، فاستغل حاجتها إلى المال والمسكن والكفالة، مما أنتج ظاهرة الزواج من السوريات بحجة "الستر والعفاف".

ففي الأردن، راجت تجارة الجنس في مخيم الزعتري للاجئين السوريين في المفرق شمال شرقي الأردن، ووقعت مئات الفتيات السوريات في المخيم، واللواتي لا تتجاوز أعمارهن في بعض الأحيان 14 عاماً، ضحية هذه التجارة، إذ يُعرضن للبيع عن طريق البغاء أو الزواج القسري لبضعة أيام أو لبضع ساعات مقابل مبلغ من المال يسمونه (مهر الزواج)، وذلك وفقاً لعمال إغاثة وجمعيات خيرية دينية.

وقد نسبت صحيفة "ديلي غراف" البريطانية إلى زايد حماد، من الجمعية الخيرية (كتاب السنة)، التي تُعد واحدة من أكبر المنظمات العاملة مع اللاجئين السوريين في الأردن، وهي واحدة من الهيئات التي تربط الرجال الراغبين بالزواج من اللاجئات السوريات، قوله "يتقاطر رجال من عدة دول أخرى على مخيمات اللاجئين السوريين للاقتران بفتيات مقابل استئجار منازل لعائلاتهن خارج المخيمات والتعهد بدعمهن مالياً قبل ممارسة الجنس معهن وتطليقهن بعد أسبوع واحد".

وأضاف حماد: "هؤلاء الرجال يبلغون الفتيات السوريات بأنهم سيتزوجونهم بهذه الطريقة ومن ثم سيضفون الطابع الرسمي للزواج بعد عودتهم إلى بلادهم، لكنهم يغادرون ويغيّرون أرقام هواتفهم. وأدركنا أن هذه الممارسات هي زواج استمتاعي وزواج وهمي تستخدم وثائق مكتوبة بخط اليد غير مسجلة في الدوائر المعنية، وتركت الكثير من الفتيات السوريات حاملات، وتم التخلي عنهن بهذه الطريقة".

وفيما اعترف حماد بأن جمعيته الخيرية (كتاب السنة) أصبحت واحدة من الهيئات التي تربط الرجال الراغبين بالزواج من اللاجئات السوريات، أصرّ على "أن هذه الممارسة ليست مسيئة بسبب القيود الصارمة، ونشرنا في البداية بياناً في الصحف وعلى مواقع الإنترنت المحلية بأننا لن نقبل أي طلبات من الرجال العرب للزواج من الفتيات السوريات، لكنه جاء بنتائج عكسية، وغمرتنا الطلبات، وأدركنا بعد ذلك بأن العديد من هؤلاء الرجال لديهم نوايا حقيقية".

هذا فيما يخص مخيم الزعتري؛ أما خارج المخيم، فلم تخلُ المملكة من مكاتب و(سماسمرة) زواج امتهنوا تزويج السوريات لأردنيين وعرب مقابل مبلغ مالي يحصلون عليه من هذه (الصفقة).

أما في مصر، فلم يكن استغلال الظروف المعيشية الصعبة للاجئات السوريات بأقل مما هو في الأردن، فقد تم الترويج للاجئات السوريات من قبل مكاتب زواج وسماسرة أو حتى شيوخ مساجد، والقيام بتزويجهن مقابل مبالغ مالية محدودة وضئيلة جداً يسمونها (مهوراً).

وقد أعلنت مكاتب الزواج الدعاية واسعة وعلى نطاق كبير لإمكانية تزويج المصري بفتاة سورية، مستخدمة كل وسائل الدعاية، حتى إن بعض هذه المكاتب (مثل شركة البسمة وغيرها) صارت توزع منشورات على أبواب المساجد عند خروج المصلين كدعاية عن توفيرها الفتيات السوريات للزواج. وتتم الزيجات بعد تدخل سماسرة بين العائلات السورية وبين المصريين الراغبين فى الزواج من سوريات. علماً أن أغلب هذه الزيجات للمتعة فقط، لذلك فهى لا تستمر، ويتم الطلاق سريعاً.

ويستهدف السماسرة العائلات السورية الفقيرة، والتى ليس لها عائل رجل. كما إن بعض المصريين يتبرعون فى البداية ببيوت ومؤن لهذه العائلات، ثم يهددون هذه الأسر بالطرد من البيت، والتوقف عن الإعانة إن لم يتزوجن ببناتهن صغيرات السن، وربما القاصرات.

وقد انتقد المجلس القومي للمرأة بمصر هذا الأمر، معتبراً الزواج باللاجئات السوريات "استغلالاً لظروفهن السيئة".

ووجه المجلس خطابين: احدهما إلى وزير الداخلية محمد إبراهيم، والآخر إلى وزير العدل السابق أحمد مكي، طالب فيه الوزارتين بالعمل من أجل إيقاف هذه الظاهرة.

وطالب المجلس الرئيس السابق محمد مرسي بالتدخل الفوري لوقف زواج السوريات الموجودات كضيوف بمصر من الشباب المصري مقابل 500 جنيه للزوجة، وانتشار ذلك بمدن 6 أكتوبر، والقاهرة الجديدة، والعاشر من رمضان، ومحافظات الإسكندرية، والدقهلية، والغربية، وقنا؛ موضحاً أن عدد هذه الزيجات بلغ 12 ألف حالة زواج خلال عام واحد. وأكد أن ذلك السلوك يمثل اتجاراً بالبشر، ويعد اعتداء على قيم وحقوق الإنسان، وتعارضاً مع المواثيق الدولية.

ورغم ذلك لا زالت بعض الأوساط الاجتماعية ورجال الدين في مصر يرون أن زواج اللاجئة البالغة هو خير وسيلة لتوفير الحماية الاجتماعية لهن، ووقاية لهن من الوقوع في براثن شبكات الاتجار بالنساء واستغلالهن.


وفي تركيا، التي تُعتبَر من أفضل البلدان المستضيفة للاجئين السوريين، لم تسلم اللاجئات السوريات من التعرض للتحرش الجنسي من أصحاب العمل ومالكي الشقق وحتى العاملين في توزيع المساعدات، بحسب ما ورد في تقرير صادر عن منظمة "هيومن رايتس ووتش" في 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2013. فقد أجرت المنظمة "مقابلات مع نحو اثنتَي عشرة امرأة روين أنهن يتعرّضن للملامسات والتحرّش الجنسي والضغوط لممارسة الجنس".

أما لبنان، ذاك البلد الصغير الذي لم يكن ينفصل يوماً عن سوريا، لم يكن للاجئات ملاذاً أأمن من الاستغلال الجنسي، فرغم وجود الكثير من حالات الزواج بالسوريات من قبل الشبان اللبنانيين، على اعتبار متطلباتهم أقل، إلا أن “هناك من يستغل وضع اللاجئات السوريات في لبنان تحت غطاء المساعدة الإنسانية والشهامة والأخلاق.. وتوجد مؤسسات قامت بإيواء لاجئين، ولكنها مدتهم في الوقت نفسه بالمخدرات والكحول وفتحت لهم بيوت دعارة”، على حد قول رئيس محكمة جبل لبنان القاضي “محمد هاني الجوزو”.

وكانت الأمم المتحدة قد أشارت في تقرير لها أواخر شهر يناير / كانون الثاني من العام الماضي 2013 إلى أنه تم تزويج 500 سورية على الأقل ممن لم يبلغن سن الرشد بعد في "هذا العام فقط".

من حرب الدم إلى حرب المعيشة، يكون الجنس بطل الموقف، فتتعدد أسماؤه والمصطلحات التي تتعلق به بين الزواج والمهر والستر والعفاف والاستغلال والتجارة. ولكن عندما تكون الضحية قاصراً، والعامل الذي يسهل العملية هو الحاجة إلى لقمة العيش، لا يُختلف على أنها (جريمة) يجب ألا تسكت عنها انسانيتنا. فأين هي انسانيتنا تجاه استغلال أجساد أولئك اللاجئات اللواتي لم يكن يوماً إلا عزيزات كريمات أحراراً؟

هناك تعليقان (2):