الحذاء: طريقة رائجة للتعبير عن الرأي، وأسلوب دارج للاحتجاج السياسي

بدأت مسيرة التعبير عن الاعتراض بواسطة الحذاء في 12 أكتوبر عام 1960، وذلك عندما ألقى نيكيتا خورشوف السكرتير الأول للحزب الشيوعي فى الاتحاد السوفيتى السابق حذاءه على منصة الأمم المتحدة، اعتراضاً على الخطاب الذي ألقاه رئيس الوفد الفليبيني لورنزوسومولونج، الذي أكد فيه تأييد بلاده استقلال دول أوروبا الشرقية عن موسكو “التي تم ابتلاع حقوقها من قبل الاتحاد السوفيتى” على حد وصفه.


وعادت هذه الطريقة في الاعتراض على سياسة معينة أو أشخاص تظهر منذ عام 2008 في حادثة كانت الأشهر من نوعها، حين قام الصحفي العراقي منتظر الزيدي برشق الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش بالحذاء خلال زيارة له في بغداد، وأثناء مؤتمر صحفي له مع الرئيس العراقي نوري المالكي.
وفي تعليق لبوش على الموقف قبل 17 يوم من انتهاء ولايته الدستورية كرئيس للولايات المتحدة قال: “هذا أغرب شيء أتعرض له”. وكانت هذه الحادثة هي الأشهر في استخدام الحذاء كوسيلة للتعبير عن الرأي، لدرجة أن منتظر الزيدي وحذاءه لقيا شهرة عالمية بعد هذه الحادثة على الرغم من اعتقال الزيدي، وصلت إلى دفع مبالغ نقدية هائلة لشراء الحذاء.


وفي الصين، تعرض رئيس الوزراء الصيني وين جيا باو في عام 2009 للرشق بالحذاء من قبل طالب ألماني أثناء إلقائه كلمة في جامعة كمبردج.
وفي عام 2010، قُذف رجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا بحذاء رجل سوري “مقيم بالأسود” في إسبانيا.

وكذلك في عام 2010، أطلق أحد المتظاهرين أمام فندق ريتز كارلتون في نيويورك حذاءه باتجاه الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح اعتراضاً على استقباله في نيويورك ومطالبَة بتسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية. إلا أن قوات الأمن اعتقلت المتظاهر قبل أن يتمكن من رمي الحذاء.

وفي عام 2011، قام شاب مصري برشق أحمد الجلبي رئيس “المؤتمر الوطني العراقي” بالحذاء، وذلك أثناء مؤتمر عقد في بيروت لنصرة الشعب البحريني.

في مصر أيضاً، وفي عام 2012، قام أحد ثوار أسوان، وهو أحمد حازم عبد السلام، بإلقاء حذائه على أحمد شفيق المرشح السابق للرئاسة، ورئيس وزراء مصر في نظام مبارك، أثناء المؤتمر الشعبي له بمدينة أسوان.

وللإيرانيين نصيب، فقد رشق الشاب السوري عز الدين خليل الجاسم بحذائه الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد أثناء زيارته التاريخية لمصر في فبراير 2013، وذلك عند خروجه من مسجد “الحسين” في القاهرة. غير أن الأمن المصري حال دون ذلك وألقى القبض على الجاسم. إلا أن الحذاء أصاب أحد أفراد حراسة الرئيس الإيراني. وقال الجاسم معلقاً على هذه الحادثة "إنه اختار رشق نجاد بالحذاء لأنه يعلم أن الرؤساء المستبدين لديهم عقدة من الحذاء، فالحذاء رمز الذل لكل طاغية".



وبعدها بيوم واحد فقط تلقى رئيس مجلس الشعب الإيراني علي لاريجاني، المرشح للرئاسة، مطر أحذية أثناء مؤتمر انتخابات في مدينة قُم الإيرانية. وتعرض بعدها الرئيس الإيراني حسن روحاني في سبتمبر 2013 للرشق بالحذاء أثناء عودته من نيويورك، من قبل مجموعة من معارضي المصالحة والتقارب مع الولايات المتحدة الأمريكية.

وقد تزامنت حادثة رشق نجاد بالحذاء مع حادثة رشق بول بريمر الحاكم المدني السابق للعراق، والتي كان بطلها الشاب العراقي ياسر السامرائي، وذلك في لقاء كان منعقداً في إحدى قاعات البرلمان العراقي، ويحضره صحافيون وسياسيون وعدد من أبناء الجالية العراقية من بينهم السامرائي.



أما المسؤولين الإسرائيليين، فكذلك كان حظهم وفيراً من أحذية المعترضين: فأثناء مداولات في المحكمة العليا الإسرائيليةً قام أحد الحضور برشق رئيسة المحكمة بحذائه، فأصابها وسط ذهول وصدمة الحضور في قاعة المحكمة. وحاول المواطن الإسرائيلي الذي ألقى الحذاء الخروج على الفور من قاعة المحكمة، إلا أن الأمن الموجود استطاع القبض عليه.

وهذه ليست المرة الأولى التي يلقى فيها حذاء على مسئول إسرائيلي، فقبلها في عام 2009 تم إلقاؤه على السفير الإسرائيلي بالسويد أثناء اجتماع لطلبة جامعة ستوكهولم، وذلك أثناء حديثه عن الحرب الأخيرة على قطاع غزة، والتي راح ضحيتها آلاف الفلسطينيين ما بين قتيل وجريح. وبعدها في العام نفسه، تم إلقاء حذاء على أحد ضباط الجيش الإسرائيلي في أمستردام من قبل متظاهرين فلسطينيين، حيث أصابوه في رأسه.

وفي البرلمان المصري، كان للحذاء حظ في أن يرفع بوجه أحد النواب أكثر من مرة، آخرها عام 2011 حين قام النائب طلعت السادات بإشهار حذائه في وجه النائب أحمد عز بعد مشادّة كلامية بينهما، وكاد أن يرميه لولا تدخل النواب والحيلولة دون ذلك.

ومؤخراً، انضمت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، إلى قائمة السياسيين الذين تعرضوا للرشق بالحذاء، وذلك على يد سيدة أمريكية تدعى أليسون إرنست، في مؤتمر كان منعقداً في لاس فيجاس في ولاية نيفادا الأمريكية في أبريل 2014. وقد تعاملت كلينتون مع هذا الحادث الذي جرى أثناء مؤتمر لمعهد إعادة تصنيع النفايات، بالمزاح، إذ قالت ضاحكة ''لم أكن أعتقد أن تصنيع النفايات موضوع استفزازي إلى هذا الحد''.


وتلك الحادثة ليست الأخيرة من نوعها، بل أتم السلسلة في الشهر ذاته من العام ذاته مواطن أردني يدعى مفلح محاسنة، حين رشق رئيس مجلس الوزراء الأردني عبد الله النسور أثناء لقائه بأهالي مدينة جرش، اعتراضاً على منعه من طرح سؤال على الرئيس في هذا اللقاء.
في ظل العجز عن التعبير، يأخذ الحذاء مكانه ليصبح وسيلة تعبر عن الاعتراض والامتهان. ورغم اعتراض البعض على استخدامها من منطلق أنها أسلوب غير لائق بنا كعرب ومسلمين، إلا أن البعض الآخر يجد فيها وسيلة سهلة وقوية ولا يجرّم على استخدامها أي قانون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق